فصل: الفتنة بين الديلم والاتراك وانتقاض سبكتكين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الفتنة بين الديلم والاتراك وانتقاض سبكتكين.

كان جند بختيار وأبيه معز الدولة طائفتين من الديلم عشيرتهم والأتراك المستنجدين عندهم وعظمت الدولة وكثرت عطاياها وأرزاق الجند حتى ضاقت عنها الجباية وكثر شغب الجند وساروا إلى الموصل لسد ذلك فلم يقع لهم ما يسده فتوجهوا إلى الأهواز صحبة بختيار ليظفروا من ذلك بشيء واستخلف سبكتكين على بغداد فلما وصلوا إلى الأهواز صحبة بختيار حمل إليه حملين من الأموال والهدايا ما ملأ عينه وهو مع ذلك يتجنى عليه ثم تلاحى خلال ذلك عاملان ديلمي وتركي وتضاربا ونادى كل منهما بقومه فركبوا في السلاح بعضهم على بعض وسالت بينهما الدماء وصاروا إلى النزاع واجتهدوا في تسكين الناس فلم يقدروا وأشار عليه الديلم بالقبض على الأتراك فأحضر رؤساءهم واعتقلهم وانطلقت أيدي الديلم على الأتراك فافترقوا ونودي في البصرة بإباحة دمائهم واستولى بختيار على أقطاع سبكتكين ودس بأن يرجفوا بموته فإذا جاء سبكتكين للعزاء قبضوا عليه وقيل كان وطأهم على ذلك قبل سفره وجعل موعده قبضه على الأتراك فلما أرجفوا بموته ارتاب سبكتكين بالخبر وعلم أنها مكيدة ودعاه الأتراك للأمر عليهم فأبى ودعا ابن معز الدولة أبا إسحق إليها فمنعته أمه فركب سبكتكين في الأتراك وحاصروا بختيار يومين ثم أحرقها وبعث لأبي إسحق وأبي ظاهر ابني معز الدولة وسار بهما إلى واسط فاستولى عليها على ما كان لبختيار وأنزل الأتراك في دور الديلم وثار العامة بنصر سبكتكين وأوقعوا بالشيعة وقتلوهم وأحرقوا الكرخ.

.مسير بختيار لقتال سبكتكين وخروج سبكتكين إلى واسط ومقتله.

ولما انتقض سبكتكين انتقض الأتراك في كل جهة حتى اضطرب على بختيار غلمانه الذين بداره وعاتبه مشايخ الأتراك على فعلته وعذله الديلم أصحابه وقالوا: لا بد لنا من الأتراك ينصحون عنا فأطلق المعتقلين عنهم ورجع وجعل أردويه صاحب الجيش مكان سبكتكين وكتب إلى عمه ركن الدولة وابنه عضد الدولة يستنجدهما وإلى أبي ثعلب بن حمدان يستمده بنفسه ويسقط عنه مال الضمان وإلى عمران بن شاهين بأن يمده بعسكر فبعث عمه ركن الدولة العساكر مع وزيره أبي الفتح بن العميد وأمر ابنه عضد الدولة بالمسير معهم فتربص به ابن العميد وأنفذ أبو ثعلب بن حمدان أخاه أبا عبد الله الحسين بن حمدان إلى تكريت وأقام ينتظر خروج سبكتكين والأتراك عن بغداد فيملكها وانحدر سبكتكين ومعه الأتراك إلى واسط وحمل معه الخليفة الطائع الذي نصبه وأباه المطيع مكانه أفتمكين وساروا إلى بختيار ونازلوه بواسط خمسين يوما والحرب بينهم متصلة والظفر للأتراك في كلها وهو يتابع الرسل إلى عضد الدولة ويستحثه.

.استيلاء عضد الدولة على العراق واعتقال بختيار ثم عوده إلى ملكه.

ولما بلغ عضد الدولة ما فعله الأتراك مع بختيار اعتزم على المسير إليه بعد أن كان يتربص به فسار في عساكر فارس وسار معه أبو القاسم بن العميد وزير أبيه من الأهواز في عساكر الري وقصدوا واسط ورجع أفتكين والأتراك إلى بغداد وكان أبو ثعلب عليها فأجفل وكتب بختيار إلى طبة الأسدي صاحب عين التمر وإلى بني شيبان بمنع الميرة عن بغداد وإفساد سابلتها فعدمت الأقوات وسار عضد الدولة إلى بغداد ونزل في الجانب الشرقي وبختيار في الجانب الغربي وخرج أفتكين والأتراك لعضد الدولة فلقيهم بين دبانى والمدائن منتصف جمادى سنة أربع وستين وثلثمائة فهزمهم وغرق كثير منهم وساروا إلى تكريت ودخل عضد الدولة بغداد ونزل دار الملك واسترد الخليفة الطائع من أفتكين والأتراك وكانوا أكرهوه على الخروج معهم وخرج للقائه في دجلة وأنزله بدار الخلافة وحدثته نفسه بملك العراق واستضعف بختيار ووضع عليه الجند يطالبونه بأرزاقهم ولم يكن عنده في خزانته شيء وأشار عليه بالزهد في إمارتهم يتنصح له بذلك سرا والرسل تتردد إلى بختيار والجند فلا يقبل عضد الدولة تقربهم ثم تقبض عليه آخرا ووكل به وجمع الجند ووعدهم بالإحسان والنظر في أمورهم فسكنوا وبعث عضد الدولة عسكره إلى ابن بقية ومعه عسكر ابن شاهين فهزموا عسكر عضد الدولة وكاتبوا ركن الدولة فكتب إليه بالثبات على شأنهم فلما علم أهل النواحي بأفعال عضد الدولة اضطربوا عليه وانقطعت عنه مواد فارس وطمع فيه الناس حتى عامة بغداد فحمل الوزير أبا الفتح بن العميد إلى أبيه ركن الدولة الرسالة بما وقع وبضعف بختيار وأنه إن عاد إلى الأمر خرجت المملكة والخلافة عنه وأنه يضمن أعمال العراق بثلاثين ألف ألف درهم في كل سنة ويبعث إليه بختيار بالري وإلا قتلت بختيار وأخويه وجميع شيعتهم وأترك البلاد فخشي ابن العميد من هذه الرسالة وأشار بأن يبعث بها غيره ويمضي هو إلى ركن الدولة فيحاول على مقاصد عضد الدولة فمضى الرسول إلى ركن الدولة فحجبه أولا ثم أحضره وذكر له الرسالة فهم بقتله ثم رده وحمله من الإساءة في الخطاب فوق ما أراد وجاء ابن العميد فحجبه ركن الدولة وأنفذ إليه بالوعيد وشفع إليه أصحابه واعتذر بأنه إنما جعل رسالة عضد الدولة طريقا إلى الخلاص منه فأحضره وضمن له ابن العميد إطلاق بختيار ثم سار إلى عضد الدولة وعرفه بغضب أبيه فأطلق بختيار من محبسه ورده إلى ملكه على أن يكون نائبا عنه ويخطب له ويجعل أخاه أبا إسحق أمير الجيش لضعفه عن الملك وخلف أبا الفتح بن العميد لقضاء شؤنه فتشاغل هو مع بختيار فيما كان فيه من اللذات عن ركن الدولة وجاء ابن بقية فأكد الوحشة بين بختيار وعضد الدولة وجبى الأموال واختزنها وأساء التصرف واحترز من بختيار.